مراهنة الأسقف أردزيفيان المستحيلة
تمت محاولة الانعتاق الثانية عام 1741 في حلب عندما انتُخب الأسقف أردزيفيان بطريركاً من قبل الأساقفة والاكليروس والمؤمنين. وقد ثبّت البابا بندكتوس الرابع عشر انتخابه على كرسيّ البطريركية معطياً اياه مهمة توحيد جميع الأرمن الكاثوليك تحت سلطته البطريركية.
كان ذلك مشروعاً طموحاً لا سيما وان الأرمن الكاثوليك كانوا منتشرين في ولايات وبلدان تختلف في ما بينها، لغةً وثقافةً وأنظمة سياسية، فيما حكّام هذه الأصقاع شكّاكون تجاه كل ما هو تدخل أجنبي، وإن دينياً.
تم الاكتفاء أولاً، بالسلطنة العثمانية وحدها، حيث كان من حظ الأرمن الكاثوليك أن يعيشوا في ظل قانون واحد وادارة واحدة.
وواجه البطريرك الجديد، أثناء ممارسة صلاحياته، عائقين هامّين: أولاً السلطان الذي رفض الاعتراف بالبطريركية التي أنشأتها روما والتي كانت تخالف كما يبدو، قوانين السلطنة. واذ غدت المداخلات الاجنبية غير ذات نفع، أُبعد أردزيفيان وبطريركيته من السلطنة، فاضطر البطريرك الى اللجوء الى لبنان، في دير الكريم (غوسطا، كسروان) الذي سبق أن أسّسه بين عامي 1720 و1722 بمساعدة رعيته في حلب. وكان لبنان يتمتع بحكم ذاتي معيّن بالنسبة الى القسطنطينية بسبب منافسة نواب ملوك مصر او باشواتها للسلاطين، رؤسائهم. وكان هذا الوضع يعطي لبنان ضمانة ما تقيه كيد أعدائه.
أما العائق الثاني، والذي لم ينتظره البطريرك أيضاً، فتمثّل في الايمان القائم في الكريم، اذ واجه أردزيفيان اعتراض السلطات الكاثوليكية، إن أرمنية ولاتينية، والتي نفرت من الخضوع للسلطة البطريركية الجديدة، حتى لو كانت هذه الاخيرة مكلفة من روما، وبحسب الاصول.
وقام الكرسي الرسولي في انتظار أن تنتظم البطريركية الجديدة وتجد لنفسها ما يكفي من الأشخاص لعمل كبير بهذا الحجم، بإعادة درس خطته الاساسية القاضية بإقامة بطريركية واحدة لجميع الأرمن الكاثوليك. وقد وجد من الجيد انشاء سلطتين أرمنيتين كاثوليكيتين، ناسخاً ما كان من وضع الكنيسة الأرمنية في السلطنة، اذ كانت تنقسم الى دائرتين كنسيتين: احداهما في القسطنطينية، والاخرى في سيس. وهكذا، سُلمت الأبرشيات الكاثوليكية التابعة لسيس الى البطريركية الأرمنية الكاثوليكية، في حين سُلمت الأبرشيات الكاثوليكية التابعة للقسطنطينية الى النائب البطريركي اللاتيني في القسطنطينية أول الأمر، فإلى رئيس الأساقفة الأرمني الكاثوليكي في المدينة لاحقاً.
ونتج عن ذلك أن الرعايا الأرمن الكاثوليك في السلطنة العثمانية غدوا يتبعون مركزي رئاسة: الأول في القسطنطينية، والثاني في بزمار. وان هذا الوضع غير الطبيعي، والذي تسببت به الظروف، سيدوم حتى عام 1866، حين تم توحيد هذين المركزين.
المرسلون اللاتين في الشرق
دخل المرسلون اللاتين السلطنة العثمانية على خطى قوات أوروبا المنتصرة، لا سيما مطلع القرن السادس عشر. وقد اتصلوا بشعوب وثقافات ومذاهب تنتمي الى كنيسة الشرق القديمة. وكان الاندفاع عند بعض هؤلاء المرسلين اجمالاً اكبر من معلوماتهم حول تاريخ هذه الكنائس المجيد، مما جعل القرارات والتوجيهات الصادرة عن البابوات للحفاظ على هذه المذاهب، غير محترمة على الدوام من قبل المرسلين. وكان الجو بعيداً من الجو الروحي المسكوني الحالي.
بيد أنه كان لهؤلاء المرسلين الفضل غير المنازع عليه في نفح تجديد روحي بين المؤمنين، وفي تشجيع الدعوات الرسولية. وان البطاركة، والاساقفة، او الرهبان العاديين ينتمون الى ذلك الصنف من الرجال المكرّسين للدين، وللنشاط الرسولي البارز، دونما خلفيات سياسية أو طموحات انسانية. لقد عملوا في سبيل انتصار الحقيقة كما كانوا يرونها، فكانوا شخصيات لامعة في زمانهم، ويمكن التمثل بهم من قبل الأجيال اللاحقة.