مونريال
لبنان : 25 آذار بشارتان تتألقان في سماء لبنان
في خضم التجاذبات السياسية الداخلية والاقليمية والدولية، وفي ذروة الارهاب الديني والهلع منه، والعنف الجسدي، والتقوقع والتعصب الفكري، وصراع الحضارات والديانات، ومن خلال هول الكوارث الطبيعية العاتية، الهادرة براً وبحراً وجواً، وفي فورة المصالح الجيوسياسية، والتجاذبات الانانية، والانقسامات الايديولوجية والعرقية العاصفة في مجتمعاتنا، ها هو لبنان "الرسالة" يطل ثانية على العالم، رافعا علم الحضارة الانسانية والاخوة والتآخي بين الشعوب، والعيش المشترك؛ ها هو ينادي بعظمة وقدسية الحب والوحي الإلهي، ويعلن قيمة الانسان للكيانية المطلقة في شخص السيدة مريم العذراء، والدة الكلمة الإلهية المتجسدة "والآية للعالمين" (سورة الأنبياء 19، 21).
لقد تأكدت "رسالة" لبنان وانتشرت عندما أقر رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة والشعب الحدث الذي لا سابق له في تاريخ البشرية، فأعلنوا الخامس والعشرين من شهر آذار من كل عام، ذكرى بشارة مريم، عيدا وطنيا جامعا، ودعوا المسيحيين والمسلمين في لبنان والشرق العربي والعالم لنهل القيم الالهية الايمانية والانسانية الحياتية من معين مريم، من سر مريم، ومن شخص مريم. هذه الفتاة، الانجيلية – القرآنية، هي التي "نالت حظوة عند الرب" (لوقا 1، 30) وهي "المباركة والمصطفاة بين النساء وعلى نساء العالمين" (آل عمران 42).
مريم، ألطف الشخصيات، وأكثرها جاذبية، واحقها بالاجلال والتكريم والتعظيم، قد استوت آية وقدوة ومثالاً في الامتثال لأوامره تعالى، فحملت "الروح" "الكلمة" في أحشائها خلاصاً للبشرية المتعثرة، التائهة والضائعة.
واما البشرى الثانية التي أعلنت من شرفة الصرح البطريركي الماروني في بكركي، عرين الكلمة الحرة في الشرق، وهي تتويج صاحب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، بطريركا على كرسي انطاكية وسائر المشرق للموارنة، هذه البشرى ما هي الا عطية للبنان بقوة الروح القدس، وسوف تتكرس بدورها بشارة في الخامس والعشرين من الجاري 2011 في سجلات الوطن الخالد، والكنيسة المارونية "الأم والمعلمة".
نعم، انها البشرى التي تلقيناها بفرح البنين المتعطشين الى رجاء لبناني جديد ومتجدد أبدا، وتواق الى الحقيقة والحق، وسط الاكاذيب والتكاذب والتحايل، في هذا الجو العاصف بنا نحن اليوم في لجة ونشوة افراح البشارتين، على غرار مريم في صمتها وسكوتها في استسلامها المطلق لارادة الله. نصلي لتتجسد المحبة بين ابناء الكنيسة الواحدة، فيستعيد لبنان، ومعه الشرق، نهضته الروحية ودوره الريادي في "الشركة والمحبة".
وانطلاقاً من قدسية وديناميكية هذا الشعار الحبري البطريركي، وبقوة وشجاعة وحكمة حامله، سيتجسد الحق والعدل على أرض لبنان، محولا اياه حصنا منيعا، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، في وجه المؤامرات والمتآمرين والمتربصين والمتلاعبين به، هؤلاء الذين يحاولون النيل من عزته وسيادته وحريته واستقلاله.
من أجل هذا، وبأمل كبير ورجاء وطيد، ننظر اليك، يا صاحب الغبطة. فأنت، بالنسبة الينا، ذاك العقل الغني بالمعرفة والخبرة والمراس، وتلك الارادة التي لا تلين ولا تتكسر امام المبادىء والثوابت والمسلمات الانجيلية والوطنية.
نعم، لقد اعطي "مجد لبنان"، لك، اليوم الا انك قادر على ان تحول هذا المجد فعل ايمان راسخ بلبنان الشامخ، شموخ جباله وأرزه، بقيمه وتراثاته المتعددة وابداعاته الخلاقة.
ولنا، في انتخابك، أمل مشرقي في احتضان قضية المسيحية المصلوبة في العراق ومصر وفلسطين، واحتضان قضايا الشعوب المستضعفة، وأنا اضع بين يديك المباركتين، "قضية شعبي الارمني". فأنت من ناديت، مرارا وتكرارا، من اعالي دير بزمار الارمني التاريخي ورحابه، بعدالة القضية الارمنية، وطالبت بالاعتراف بها دفاعا عن حقوق انسانية ارمنية، وصونا لعدالة دولية.
ايها الحبر الجليل، صاحب الغبطة، تقبل منا، نحن أبناءك، في يوم تنصيبك الرسمي والبهي، صلواتنا وتهانينا. ونحن، في هذه المناسبة، نتمنى لك دوام الصحة والعافية لسنين عديدة، فتحافظ على الوديعة الكنسية، وانت تحمل المشعل الانجيلي الذي تسلمته من يد سلفك الوقور ليكون نبراسا ينير الدروب المظلمة، والخطى المتعثرة، فيشع نور السلام في القلوب والضمائر، وعلى أرض الوطن الغالي.
فيا صاحب الغطبة، ان لبنان والشرق، بدءا باليوم، هما في حاجة الى صلاتك الرهبانية، وصوتك، وارادتك، فأنت مدعو لالقاء شباك حبك وحكمتك في عمق بحارهما، و"ليبق في قلبك حبا، وفي عقلك حقيقة، وفي ارادتك قوة".
بقلم المونسنيور جورج يغيايان
(كنيسة الارمن الكاثوليك مونريال - كندا)
النهار 25 / 03 / 2011